









تلاوات النور في مراكش: حين يتجسد التدبر في أصوات الناشئة وموائد الإخاء
الوكالة
2025-03-24

بدر قلاج _ مراكش
في أجواء روحانية مفعمة بالإيمان والصفاء، شهدت مقاطعة المنارة بمدينة مراكش مسابقةً قرآنية احتفاءً بشهر رمضان الأبرك لعام 2025، حيث تنافس المشاركون من مختلف الفئات العمرية على حفظ وتجويد كتاب الله الكريم، مجسدين بذلك تقاليد عريقة تعكس ارتباط المغاربة بالقرآن الكريم كهوية ووجدان.

المسابقة، التي استهدفت الفئة العمرية من 7 إلى 13 سنة للصغار، وما بين 13 و18 سنة للكبار، لم تكن مجرد منافسة صوتية على تجويد الآيات، بل كانت فضاءً تربوياً يرسخ قيم التأمل والتدبر، ويعزز الروابط الروحية بين الأجيال، مما يجعل من هذه المبادرات رافداً أساسياً في استمرار تقاليد القراءة والتجويد في المغرب.

وقد تميز الحفل الختامي بحضور شخصيات وازنة، يتقدمهم السيد عبد الواحد الشفقي، رئيس مجلس مقاطعة المنارة، والسيدة سناء الهداجي، رئيسة مكتب الشؤون الثقافية، إلى جانب السيد محمد الرباطي، رئيس الشؤون الثقافية والرياضية بمجلس المقاطعة، وعدد من المستشارين من بينهم المستشارة الطيبة الخلوقة إيمان الهلالي والمستشار جماعي وكاتب مجلس مقاطعة المنارة الانسان الخلوق حبيبو الحسن وممثلي المجلس العلمي. هذا الحضور الرسمي عزّز من أهمية الحدث، وأكد على الدور الذي تلعبه المؤسسات المحلية في دعم المشهد الديني والثقافي بالمدينة.


ولأن التشجيع هو مفتاح الاستمرارية، فقد شهد الحفل توزيع جوائز قيمة على المشاركين، شملت حواسيب لوحية ودراجات هوائية، في رسالة تحفيزية تحمل بُعدًا رمزيًا يعكس تلاقي روح العصر مع القيم الدينية، حيث يصبح القرآن ليس فقط نورًا في القلوب، بل أيضاً حافزاً للعلم والتطوير الذاتي.

إفطار جماعي على شرف الحاضرين: من التلاوة إلى الإخاء
وكما أن القرآن يجمع القلوب، جاءت مبادرة الإفطار الجماعي لتؤكد على روح المحبة والتآخي التي يتميز بها شهر رمضان. فبعد لحظات من الخشوع والتدبر في آيات الله، اجتمع الحاضرون حول موائد الإفطار في أجواء عائلية دافئة، حيث تبادلوا الأحاديث الودية واستحضروا معاني الصيام كرحلة روحية تتجاوز الجوع والعطش إلى قيم التراحم والتواصل.
هذا الإفطار، الذي نُظّم على شرف المشاركين وضيوف الحفل، لم يكن مجرد مائدة للطعام، بل كان امتداداً للقيم التي حملتها المسابقة، إذ شكل فرصة لتعزيز الروابط بين الأجيال المختلفة، وتأكيداً على أن الدين ليس فقط ممارسة فردية، بل هو أيضاً نسيج اجتماعي يجمع الأفراد حول مشترك إنساني وروحي عميق.

مسابقات التلاوة: بين التراث والحداثة
هذه المبادرة تطرح سؤالاً جوهرياً حول دور المنافسات الدينية في تشكيل الوعي الجمعي، ومدى قدرتها على ترسيخ قيم الانضباط والتأمل في زمن السرعة والتشتت. فهل يمكن اعتبار هذه التظاهرات جسراً بين التراث والحداثة، أم أنها تظل مجرد مناسبات موسمية تحتاج إلى استمرارية أعمق في برامج التربية والتنشئة الدينية؟

في كل الأحوال، أثبتت هذه المسابقة أن النور المتجسد في أصوات الناشئة ليس مجرد صدى عابر في فضاء رمضان، بل هو امتدادٌ لتقاليد مغربية ضاربة في التاريخ، حيث يظل القرآن الكريم مرآةً تعكس الروح الثقافية والدينية لمجتمع يجد في الكلمة الإلهية نبضه الأزلي. ومن خلال هذه الفعاليات، يتجدد اللقاء بين الأجيال في رحاب الإيمان، حيث تُضيء التلاوة الأرواح، ويُبارك التآخي موائد الإفطار، ليبقى رمضان موسماً للروح والعقل معاً.





