قرار المحكمة الدستورية يربك حسابات وهبي ويحرج المؤسسة التشريعية

وكالة الأنباء المغربية

2025-08-07

باحدة عبد الرزاق

كشف قرار المحكمة الدستورية الأخير بخصوص مشروع قانون المسطرة المدنية عن زلزال مؤسساتي هادئ، يحمل في طياته رسائل بالغة العمق للسلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء، مسلطا الضوء على أعطاب في بنية التشريع وسيرورته، وعلى محدودية تفاعل النخب السياسية مع روح الدستور ومنطقه.

فعلى المستوى السياسي، يعد القرار نكسة صريحة لمشروع وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي دافع بشراسة عن هذا النص في وجه معارضة قوية من الهيئات المهنية، خاصة جمعية هيئات المحامين. ورغم التحفظات العميقة التي عبر عنها الجسم الحقوقي والقانوني، ظل الوزير يراهن على تمرير المشروع كجزء من “إصلاح قضائي عصري” يواكب الرقمنة ويعزز النجاعة. إلا أن قرار المحكمة جاء ليكبح هذا الاندفاع، ويعيد التأكيد على أن تحديث العدالة لا يمكن أن يتم على حساب ضمانات الدفاع ولا باستسهال مساطر التقاضي.

إن إسقاط عدد من المقتضيات الجوهرية من قبل المحكمة، مثل تقييد حق الرد على ملاحظات النيابة العامة، والتمكين المفرط للمنصات الرقمية دون ضمانات، ليس مجرد تصحيح تقني، بل هو تقويم لمسار سياسي أراد تمرير نص ذي طابع حساس دون توافق مجتمعي واسع، أو دون تقدير كاف للمحاذير الدستورية.

أما على المستوى البرلماني، فقد عرى القرار واقعا مزمنا يتمثل في ضعف الرقابة التشريعية للنخب البرلمانية، سواء من حيث قراءة النصوص أو تملكها لأبعادها الدستورية. فتمرير مقتضيات تسقطها المحكمة لاحقا، يعني ضمنا أن المؤسسة التشريعية لم تمارس دورها بجدية في التمحيص والتعديل، وهو ما يعيد النقاش حول الكفاءة القانونية والتشريعية لعدد من البرلمانيين، وحول مدى قدرة المؤسسة التشريعية على أن تكون سلطة حقيقية في مواجهة الحكومة، لا مجرد غرفة للتصويت.

أما من حيث دلالات القرار على العملية التشريعية ككل في المغرب، فإنه يضع علامات استفهام مقلقة حول منظومة صناعة القانون. كيف يتم إعداد مشاريع بهذا الحجم من الأثر دون تدقيق دستوري دقيق؟ وكيف تمر أمام لجان البرلمان دون أن تلتقط تناقضاتها مع الفصل 120 من الدستور أو مبدأ الأمن القضائي؟

يؤكد هذا القرار أن مسار التشريع لا يزال يحتاج إلى إصلاح هيكلي، سواء عبر تأهيل الكفاءات داخل البرلمان، أو من خلال تفعيل آليات التقييم القبلي لدستورية القوانين، أو حتى عبر إدماج المجتمع المهني بشكل أكثر فاعلية. كما يعيد القرار إلى السطح ضرورة إخراج آلية الدفع بعدم الدستورية التي طال انتظارها، لتكون أداة بيد المواطن في مراقبة القوانين وليس فقط بيد المحكمة.

في المحصلة، لم يكن قرار المحكمة الدستورية رفضا لمقتضيات قانونية فقط، بل كان تمرينا دستوريا عميقا، ذكر الفاعلين السياسيين بأن الدستور ليس وثيقة شكلية، وأن الشرعية لا تبنى فقط بأغلبية عددية بل بشرعية قانونية وقيمية تراعي الحقوق وتعلي من سلطة القانون.

تصنيفات