









زاكورة : السيبة تنخر الفرشة المائية .. ثقوب بلا تراخيص وزراعة محظورة وسط صمت السلطات
وكالة الأنباء المغربية
2025-08-29

في زمنٍ بات فيه الماء أثمن من الذهب، تقف قيادة ترناتة بإقليم زاكورة أمام واقع مؤلم عنوانه الفوضى والعشوائية في تدبير هذه الثروة الحيوية. فالثقوب المائية تُحفر دون تراخيص، وزراعة الدلاح المحظورة تتوسع على حساب الفرشة الجوفية، والتسربات بالشبكة المائية بصهريج ثرناتة تهدر مئات الأطنان يومياً، بينما الساكنة تعاني العطش. إنها صرخة استغاثة نوجهها إلى السيد عامل الإقليم، مع كامل التقدير والاعتراف بمجهوداته، من أجل التدخل العاجل لوقف هذا النزيف وحماية استقرار المنطقة.
تعيش قيادة ترناتة بزاكورة، وخاصة منطقة الفايجة وأم لعشار وبن دلالة، على وقع فوضى غير مسبوقة في تدبير الموارد المائية. فبينما تنص القوانين المنظمة بشكل صارم على ضرورة الحصول على ترخيص من وكالة الحوض المائي قبل الشروع في أي عملية حفر للآبار أو التنقيب عن المياه الجوفية، تحولت أراضي القيادة إلى ورش مفتوح للآلات الثقيلة التي تخترق الأرض بلا رحمة ولا ضوابط ؛لا حسيب ولا رقيب.

القانون واضح وصارم. فالمادة 32 من القانون رقم 36-15 المتعلق بالماء تنص صراحة على أنه “لا يجوز القيام بأشغال حفر الآبار أو التنقيب عن المياه الجوفية إلا بعد الحصول على رخصة من وكالة الحوض المائي المختصة”، فيما تضيف المادة 114 عقوبات مالية وزجرية ضد كل من يخرق هذا المقتضى. غير أن الواقع في قيادة ترناتة يكشف عن عكس ذلك تماماً، حيث يسود منطق المحسوبية والزبونية، وتتوارى الرقابة خلف ستار من الصمت وغض الطرف.
وإذا كان الترخيص اختصاصاً حصرياً لوكالة الحوض المائي، فإن السلطات المحلية تبقى مسؤولة قانونياً وإدارياً عن الضبط الميداني، والإخبار، والتصدي الفوري لأي مخالفات. غير أن هذه السلطات، سواء بدافع العجز أو التواطؤ، لم تقم بواجبها في وقف النزيف، ما جعل العشوائية تستفحل وتصبح المشهد السائد.

الأزمة لا تقف عند حدود الحفر العشوائي، بل تتعمق أكثر مع استمرار زراعة الدلاح في هذه المناطق، رغم القرارات الرسمية الصادرة عن عمالة زاكورة بمنعها بسبب استنزافها المهول للمياه الجوفية. المفارقة الصارخة أن الفلاح الصغير يُمنع ويُجرَّم، فيما كبار النافذين يستمرون في زرع هكتارات شاسعة من حقول الدلاح تحت حماية غير معلنة، في استهتار تام بالقانون وبمصالح الساكنة التي تئن تحت وطأة العطش.
وللتذكير، فقد سمحت السلطات الإقليمية للفلاحين، في إطار ما سُمّي بحل وسط، بزراعة الدلاح بشرط أن لا يتجاوز المستفيد هكتاراً واحداً فقط. غير أن زيارة ميدانية لوكالة الأنباء المغربية إلى هذه المناطق وغيرها كشفت واقعاً صادماً: أراضٍ شاسعة مزروعة تفوق بكثير ما هو مسموح به. بعض الضيعات تمتد من هكتار واحد إلى سبعة هكتارات، بل وأكثر، وكل ذلك أمام أعين السلطات دون أي تدخل.

وخلال تعمقنا في المشهد واستفسارنا لمصادر محلية سواء من الفلاحين او التجار ، جاءت الأجوبة صادمة. فقد تحدث البعض بكل عفوية عن “أمور أخرى في الكواليس”، بينما أشار آخرون إلى تسعيرة غير رسمية تتراوح بين خمسة آلاف وعشرة آلاف درهم لتجاوز مساحة الهكتار الواحد، مقابل غض الطرف. مصدر فضّل عدم ذكر اسمه أكد للجريدة أن عامل عمالة زاكورة لا علم له بهذه التجاوزات، ما يطرح علامات استفهام كبيرة حول من يتحمل المسؤولية في هذا الخرق الصارخ للقانون.
وفيما يفسر البعض هذه التناقضات بضعف المراقبة وغياب الصرامة، يرجّح آخرون ممن التقتهم الجريدة أن وراء الاستثناءات المتكررة شبهة “إكراميات” تقدم في الخفاء، وفق قاعدة يعرفها المغاربة جيداً: “دهن السير يسير”. وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول مدى نزاهة بعض التدخلات وحقيقة الإرادة في فرض القانون على الجميع دون تمييز.
الفرشة المائية اليوم تواجه خطراً محدقاً مع تنامي الحفر العشوائي والثقوب المائية غير المرخصة، في ظل أزمة عطش خانقة تهدد استقرار المنطقة. الوضع ينذر بانفجار اجتماعي وبيئي إذا استمر التساهل مع هذه التجاوزات، ما يجعل التدخل الصارم والشفاف ضرورة ملحّة، ليس ضد الفلاحين الصغار أو حقهم في العيش الكريم، وإنما ضد العشوائية والتلاعب بالمصلحة العامة لحساب مصالح ضيقة.
ترناتة اليوم ليست فقط أمام أزمة ماء، بل أمام امتحان حقيقي للدولة في قدرتها على فرض القانون وحماية ثرواتها المائية المحدودة. فهل تتحرك السلطات الإقليمية والمركزية لوقف هذا النزيف، أم سيظل الوضع رهينة موازين القوة والمحسوبية، حتى الجفاف الكامل؟
ولكي لا ننسى، فإن معضلة الماء بترناتة لا تختزل فقط في الحفر العشوائي وزراعة الدلاح، بل تتجلى أيضاً في التسربات الخطيرة التي يعرفها الصهريج المائي بسعة 400 طن، حيث تُهدر كميات هائلة من الماء أمام أعين الجميع، في وقت تعاني فيه دواوير عديدة العطش وتُحرم من حقها في التزويد المنتظم. الأسوأ أن بعض الدواوير تستفيد بشكل مستمر من المياه رغم التسربات القائمة، دون أن تتمكن لحدود اللحضة اللجان المكلفة بتسير شؤون الماء من معالجة الخلل بشكل نهائي. ومن هنا نوجّه رسالة صريحة إلى السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم زاكورة مشكورا على المجهودات الجبارة التي يقوم بها: إن معضلة الماء صارت قضية حياة أو موت بالمنطقة، وتستوجب تتبعاً صارماً ومحاسبة واضحة لكل من له صلة في خرق القانون سواء المواطن او السلطات مع ربط المسؤولية بالمحاسبة ، حتى لا تتحول ترناتة إلى نموذج للفوضى والإهدار في زمن الندرة.
إن ما يقع بترناتة لم يعد شأناً محلياً معزولاً، بل صار قضية وطنية تستدعي تدخلاً عاجلاً من وزارة الداخلية ووزارة التجهيز والماء، عبر فتح تحقيق جدي، وتفعيل مساطر المراقبة والزجر، وإعادة الاعتبار لهيبة القانون. فالماء ليس مجرد مورد طبيعي، بل هو رهان وجودي واستراتيجي، وأي تهاون في تدبيره اليوم قد يقود غداً إلى كارثة صادمة لا قدر الله .
والتزامًا بمبدأ المصداقية والشفافية والحياد، بعيدًا عن أي مغالطات، يبقى موقعنا و في إطار الحياد الاعلامي المشروط مفتوحًا للجميع من أجل الرد أو التصحيح أو التوضيح، احترامًا لكل الآراء، ومحاولة لكشف الحقائق بدون زيادة أو نقصان.
وستبقى وكالة الأنباء المغربية تتابع الملف عن كثب، لترصد أدق تفاصيله وتنقلها للرأي العام بكل مسؤولية وحياد. وسنعود إليه في قادم الأيام بمزيد من المعطيات الدقيقة.. فانتظرونا.