









المحطة الطرقية بالجديدة: تأخير غير مبرر
الوكالة
2025-08-06

مراسلة _ خليل لغنيمي
مرت أكثر من خمس سنوات على اكتمال أشغال بناء المحطة الطرقية الجديدة بمدينة الجديدة، ومع ذلك ما زالت المحطة مغلقة أمام المواطنين، في مشهد يعكس عمق الأزمة التي تعاني منها إدارة المشروع ويكشف عن اختلالات إدارية وقانونية. هذا المشروع الذي كان من المفترض أن يُحدث نقلة نوعية في قطاع النقل ويُسهم في تخفيف الفوضى والمعاناة التي عانى منها سكان المدينة على مدار سنوات، بات رهينة لمجموعة من المشاكل التي قد تكون وراء تأجيل افتتاحه.
مشروع جاهز ومعطل:
رغم أن المحطة الطرقية جاهزة تماماً من الناحية التقنية، إلا أن افتقادها للرخص الإدارية اللازمة والتأخير في تسوية الوضعية العقارية للأرض جعلها محلاً للتساؤل. كان من المتوقع أن تُحدث المحطة تغييرات جذرية في مجال النقل الحضري والوطني، إلا أن تلك التوقعات لم تُترجم إلى واقع ملموس بسبب التراخي في إنهاء الإجراءات القانونية والإدارية المرتبطة بالمشروع. هذا التأخير المُستمر يُثير شكوكاً حول غياب الإرادة السياسية والفنية وراء إعاقة هذا المشروع الحيوي.
التأخير بسبب التلاعبات العقارية:
تكشف الوثائق أن العقار الذي بُنيت عليه المحطة لم يُحفظ في اسم جماعة الجديدة لعدة سنوات، رغم أن المشروع كان قد حصل على تمويلات ضخمة من المال العام. لقد أُنفقت ملايين الدراهم على بناء البنية التحتية، ولكن العقار نفسه بقي في حالة قانونية غير مستقرة، ما أعاق أي خطوة نحو استكمال المشروع. ولم يتم تحفيظ العقار إلا بعد تدخل جهة الدار البيضاء-سطات التي تكفلت بتسوية الوضعية القانونية مقابل 350 مليون سنتيم. هذا التأخير الذي دام خمس سنوات في تسوية وضعية العقار أثار الكثير من الاستفهامات حول سبب غياب الاهتمام بهذا الملف، والذي دفع البعض للاعتقاد بأن هناك أطرافًا قد تكون متورطة في محاولة إطالة أمد إغلاق المحطة لأسباب غير معلنة.
اختلالات في الهيكلة والإدارة:
السبب الآخر وراء تعطل المشروع هو وجود خلل إداري وهيكلي في شركة المحطة. هذه الشركة تم إنشاؤها خارج إطار الضوابط القانونية المنصوص عليها، وهو ما دفع وزارة النقل إلى رفض منح الترخيص لتشغيل المحطة. بحسب المعطيات المتوفرة، فإن عملية تأسيس الشركة لم تتم بشكل سليم، ما أعاق موافقة الجهات المعنية على فتح المحطة أمام العموم. هذا الخلل الإداري يُعدّ من أكبر الأسباب التي أدت إلى تأخير الافتتاح رغم أن البنية التحتية جاهزة ومكتملة.
اختلالات تقنية في دفتر التحملات:
علاوة على ذلك، كان هناك العديد من الاختلالات في دفتر التحملات وتصميم المحطة. النقاشات بين المهنيين في قطاع النقل والجهات الرقابية أظهرت أن المشروع يحتوي على مشاكل تقنية قد تضر بجودة الخدمات المقدمة. تقارير مُسربة من داخل الجهات المعنية أفادت بأن المحطة لم تُصمم بطريقة تتناسب مع احتياجات النقل الحديث، وأن هناك مشاكل في توفير المساحات اللازمة لتنظيم حركة النقل بشكل فعال. هذه النقاط الفنية أثارت جدلاً واسعاً بين المعنيين، حيث اعتبرها البعض “فضيحة تقنية” تُظهر سوء التخطيط والإدارة.
تأثيرات هذا التأخير على السكان:
المشاكل التي تعرضت لها المحطة لم تكن مجرد اختلالات في جانب من جوانب المشروع، بل أثرت بشكل مباشر على حياة المواطنين. سكان مدينة الجديدة كانوا يعانون لفترة طويلة من سوء البنية التحتية الخاصة بقطاع النقل، ومع تأخر افتتاح المحطة الجديدة، استمروا في استخدام المحطة القديمة التي تعاني من إهمال كبير، وهي تفتقر إلى أبسط شروط السلامة والراحة. هذا الوضع جعل مئات العاملين في قطاع النقل يتأثرون بشكل سلبي، كما زاد من معاناة المواطنين الذين يضطرون إلى التوجه إلى المحطة القديمة التي لم تعد تلبي احتياجاتهم.
في هذا السياق، طالبت ساكنة مدينة الجديدة بفتح المحطة فوراً والعمل على تسوية كافة الملفات العالقة. المواطنون شددوا على ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه التأخيرات والمشاكل الإدارية والتقنية، داعين إلى فتح تحقيق شامل في المشروع. كما تم توجيه الدعوة إلى السلطات المحلية والإقليمية، خصوصاً عامل إقليم الجديدة ووزير الداخلية، للتدخل العاجل من أجل إجراء تدقيق إداري ومالي في المشروع، وتوضيح جميع الأسباب التي عطلت افتتاح المحطة. من جانب آخر، طالبت الساكنة بضرورة نشر تقرير شفّاف يوضح حجم المبالغ التي أُنفقت على المشروع، والعقبات التي واجهت تنفيذه.
دور المجتمع المدني في مراقبة المشاريع الكبرى:
تعد هذه القضية بمثابة دعوة لضرورة إشراك المجتمع المدني في مراقبة تنفيذ المشاريع الكبرى، خصوصاً تلك التي يتم تمويلها من المال العام. هناك ضرورة ملحة لضمان الشفافية ومتابعة سير المشاريع التنموية بشكل دوري، وذلك لضمان عدم تكرار مثل هذه الفضائح في المستقبل. المشروع الذي كان من المفترض أن يُحسن حياة المواطنين بات يشكل نقطة سوداء في سجل التدبير المحلي، ما يضر بمصالح المواطنين ويُفقدهم الثقة في إدارة المشاريع التنموية.
موقف ساكنة الجديدة من المشاريع التنموية:
السكان في مدينة الجديدة لا يعارضون المشاريع التنموية، بل يدعمونها بشكل كامل، ولكنهم ضد استغلال هذه المشاريع لأغراض انتخابية أو لتحقيق مكاسب شخصية ضيقة على حساب الصالح العام. كما أن الساكنة تطالب بضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وأن يتم محاسبة كل من تورط في الفساد أو التلاعب بالمال العام، بغض النظر عن مكانتهم أو مهامهم. كما أن هذه التجربة تبرز حاجة ملحة لتطبيق مبدأ الشفافية والمساءلة في جميع مراحل تنفيذ المشاريع التنموية، وذلك لحماية المال العام وضمان استفادة المواطنين من مشاريعهم.
لا شك أن المحطة الطرقية الجديدة في مدينة الجديدة أصبحت تمثل رمزاً للفوضى الإدارية والفساد، بينما كان من المفترض أن تكون محركاً للتنمية وتحسين خدمات النقل في المنطقة. من المهم أن يتم فتح المحطة في أقرب وقت ممكن، وأن تُحسن الإدارة المحلية من مستوى التعامل مع المشاريع الكبرى لضمان عدم تكرار مثل هذه التجاوزات في المستقبل.




