شفيق السحيمي.. مسيرة فنية جمعت عوالم الدراما وحركت وجدان المشاهد

وكالة الأنباء المغربية

2025-03-02

بدر قلاج/

في زمن تحوّلت فيه الدراما إلى واجهة تجارية، ظل شفيق السحيمي، المخرج والممثل والمقاوم السابق، صانعًا لعوالم درامية تنبض بالفكر والعمق، مقتبسًا من الأدب العالمي ما يُشعل الأسئلة في وجدان المشاهد المغربي.

غير أن السحيمي، الذي أهدى الجمهور مسلسلات من طينة العين والمطفية ووجع التراب وصيف بلعمان، وجد نفسه في مواجهة مع ماكينة الإعلام، حيث كانت أفكاره الجريئة وانتقاداته اللاذعة كفيلة بأن تدفعه نحو المنفى، بعيدًا عن عدسته التي كانت ترى ما لا يُراد له أن يُرى.

وُلد شفيق السحيمي عام 1948 في الدار البيضاء، وبدأ مسيرته كفنان يحمل قضية، ليس فقط على خشبة المسرح أو أمام الكاميرا، بل حتى في ساحات النضال. فقد انضم في شبابه إلى صفوف المقاومة الفلسطينية، حيث التحق أولًا بحركة فتح، ثم بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ليعيش تجربة نضالية صقلت وعيه السياسي والفني على حد سواء.

حصل سنة 1989 على دكتوراه من جامعة باريس لفنون المسرح والسينما حول موضوع هوية المسرح المغربي ،ليشتغل أستاذا بنفس الجامعة.

بعد عودته إلى المغرب، بدأ السحيمي مسيرته الإبداعية في المسرح، حيث قدّم أعمالًا مثل عوم فبحرك والمنزه والشرادي والوجه والقفا، قبل أن يتجه إلى التلفزيون، حيث خاض مغامرة الاقتباس من الأدب العالمي، مضفيًا على هذه الأعمال روحًا مغربية أصيلة.

كانت مسلسلات السحيمي بعيدة كل البعد عن الدراما السطحية التي اعتادت القنوات المغربية تقديمها، إذ حملت عمقًا فكريًا ونقدًا اجتماعيًا لاذعًا.

بدأ رحلته التلفزيونية بمسلسل العين والمطفية (2002)، المقتبس عن رواية L’eau des collines للكاتب الفرنسي مارسيل بانيول، والذي قُدّم على القناة الأولى. تلاه مسلسل وجع التراب (2006)، المقتبس عن رواية الأرض لإميل زولا، والذي حقق نجاحًا كبيرًا فور عرضه على القناة الثانية، نظرًا لمضمونه القوي الذي ناقش قضايا الظلم الاجتماعي والتهميش.

لم يتوقف عند ذلك، فقدّم صيف بلعمان (2007) وتريكة البطاش (2008)، المقتبسين من الإخوة كارامازوف لدوستويفسكي، حيث استحضر من خلالهما صراعات القيم والسلطة داخل المجتمع المغربي. ثم جاءت شوك السدرة، الذي استلهمه من رواية البؤساء لفيكتور هوغو، وكان من المفترض أن يُعرض عام 2013 على القناة الأولى، إلا أن مشاكل إنتاجية وتأجيلات مشبوهة أخّرت ظهوره حتى 2015.

لم يكن السحيمي مجرد مخرج تقليدي، بل كان صاحب مواقف جريئة، حيث لم يتوانَ عن توجيه انتقاداته اللاذعة لما اعتبره فسادًا متجذرًا في الإعلام على حد تعبيره. هذه الجرأة جعلته في مرمى الضغوطات، حيث وجد نفسه محاصرًا بين تهميش إعلامي ومحاولات لكتم صوته، ما دفعه إلى مغادرة المغرب والاستقرار في فرنسا.

على الرغم من غيابه، لا تزال أعمال شفيق السحيمي حاضرة بقوة في ذاكرة المشاهد المغربي، باعتبارها نموذجًا للدراما الهادفة، تلك التي لا تكتفي بالسرد، بل تحفّز على التفكير والنقد.

هو فنان لم يسر في الركب السائد، ولم يرضخ لإملاءات السوق، وظل صوته مرفوعًا حتى عندما صار بعيدًا عن الوطن، تمامًا كما يفعل الحكواتيون الذين يعرفون أن الحكاية الحقيقية لا تُحكى إلا كاملة، مهما كان الثمن.

تصنيفات