كناوة تراث إفريقي نابض في قلب الثقافة المغربية

وكالة الأنباء المغربية

2025-08-03

محمد نشوان

في عمق الأزقة القديمة لمراكش، وفي ساحات الصويرة النابضة بالإيقاع، تتردد أنغام كناوة كصوت قادم من أعماق التاريخ، حاملاً ذاكرة جماعية أفريقية وروحانية مغربية متفردة.

“كناوة” ليست مجرد موسيقى، بل هي طقس وموروث ثقافي وإنساني، يجمع بين الفن والعقيدة، بين الألم والشفاء، بين التاريخ والاستمرارية.

ترجع أصول فن كناوة إلى مناطق إفريقيا جنوب الصحراء، خاصة من دول مثل مالي، النيجر، السودان، والسنغال، حيث كانت القبائل تستعمل الإيقاع في الطقوس الروحية والاحتفالات الجماعية. وقد انتقل هذا الفن إلى المغرب عبر تجارة القوافل الصحراوية وأيضًا بفعل حركة الرق التي جلبت مجموعات بشرية من إفريقيا إلى شمال القارة.

و مع دخول العبيد المحررين إلى المغرب، بدأ هذا الفن يترسخ تدريجيًا في المدن الكبرى، مثل مراكش، الصويرة، فاس، وسلا.

من رحم المعاناة، ولد فن كناوة في المغرب كوسيلة للتعبير عن الذات، وللتحرر من أعباء الماضي، وللتواصل مع العالم الروحي، حيث تؤمن الطائفة الكناوية بقدرتها على استحضار الأرواح “الأولياء” و”الجن” عبر الموسيقى والرقص والطقوس الليلية المسماة بـ”الليلة”.

يعتمد فن كناوة على آلات تقليدية تتميز بطابعها الخاص، مثل القراقب (صنوج حديدية ترمز إلى قيود العبودية) والكنبري، وهو آلة وترية أفريقية تقليدية شبيهة بالعود، إضافة إلى الإيقاعات القوية التي تُستخدم لاستحضار الطاقات الروحية في جلسات العلاج الطقسي.

لم يظل فن كناوة حبيس الزوايا الشعبية، بل انفتح على العالم بفضل مهرجاناته، خاصة مهرجان كناوة وموسيقى العالم بالصويرة، الذي استقطب منذ انطلاقه في أواخر التسعينيات فنانين من مختلف القارات، وجمع بين كناوة والجاز، والبلوز، والروك، في لقاءات فنية ساحرة.

وقد توج هذا الاعتراف الدولي سنة 2019، حينما أدرجت اليونسكو فن كناوة ضمن التراث الثقافي غير المادي للإنسانية.

و رغم طابعه التقليدي، استطاع فن كناوة أن يجدد نفسه، وأن يحافظ على هويته رغم التغيرات الاجتماعية والثقافية، بل إنه أصبح عنوانًا للانفتاح والحوار بين الثقافات. كما بات شباب المغرب يرونه جزءًا من ذاكرتهم الوطنية، ومن تعبيرهم الفني والروحي.

كناوة ليس مجرد إيقاع يُطرق في الأزقة، بل هو صوت من عمق إفريقيا يعانق هوية المغرب المتعددة، ويذكرنا بأن الفن قادر على شفاء الذاكرة، وجمع الشعوب، ونسج الجسور بين الماضي والمستقبل.

تصنيفات