جواد لعسري: قانون المالية 2026 يكشف ارتباك الحكومة بين الدستور والواقع

الوكالة

2025-10-19

محمد البشيري

مع انقضاء الموعد الدستوري المقرر لعرض الخطوط العريضة لمشروع قانون المالية للسنة المقبلة أمام أنظار صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، والذي كان مزمع عقده أمس السبت وتأجل إلى اليوم الأحد، تجد الحكومة نفسها أمام إشكال مؤسساتي بالغ الحساسية، يرتبط بمدى احترامها للمقتضيات الدستورية في حال عدم انعقاد مجلس وزاري يحدد التوجهات العامة للميزانية.

فالفصل 49 من الدستور ينص صراحة على أن المجلس الوزاري يتداول في القضايا ذات الطابع الاستراتيجي، من بينها التوجهات العامة لمشروع قانون المالية. وهو ما يجعل انعقاد هذا المجلس خطوة إلزامية في مسطرة الإعداد الإداري للمشروع، وليس مجرد إجراء شكلي يمكن تجاوزه.

وفي هذا السياق، أقرت وزيرة الاقتصاد والمالية، من خلال العرض الذي قدمته أمام المجلس الوزاري، بأن المسطرة المعتمدة بخصوص السنة المالية 2026 لم تحترم مقتضيات القانون التنظيمي للمالية، الذي يعد وثيقة مكمّلة للوثيقة الدستورية. فقد خلطت الحكومة، بحسب هذا العرض، بين التداول في التوجهات العامة المنصوص عليها في الفصل 49 من الدستور، وبين الخطابات الملكية التي لا يمكن أن تحل محل هذا التداول الدستوري، ما يعكس خللا مؤسساتيا واضحا في مسار اعداد قوانين المالية .

كما أقرت وزيرة الاقتصاد والمالية بحدوث خرق للمسطرة الدستورية الواجبة، حين صرحت بأن إعداد مشروع قانون المالية تم قبل انعقاد المجلس الوزاري، في تجاوز واضح للتسلسل المؤسساتي المنصوص عليه دستوريا، والذي يفرض التداول في التوجهات العامة داخل المجلس الوزاري قبل الشروع في الإعداد الفعلي للميزانية.

كما يمنح الفصل 48 من الدستور لرئيس الحكومة إمكانية طلب عقد مجلس وزاري، إذ جاء فيه أن المجلس “ينعقد بمبادرة من الملك أو بطلب من رئيس الحكومة”، مع إمكانية تفويض الملك لرئيس الحكومة رئاسة المجلس وفق جدول أعمال محدد.

بناء على ذلك، يتيح الدستور لرئيس السلطة التنفيذية، عزيز أخنوش، تفعيل هذه الصلاحية بطلب عقد مجلس وزاري من أجل التداول في التوجهات الكبرى لمشروع قانون المالية لسنة 2026، تفاديا لأي خلل دستوري قد يشوب مسطرة الإعداد، أو يعيد إلى الواجهة الاتهامات السابقة بتزوير مضامين الوثيقة المالية، كما حصل السنة الماضية إثر الجدل الذي أثاره حزب العدالة والتنمية حول اختلاف ما قُدم أمام الملك وما نوقش في البرلمان.

الدكتور جواد لعسري، الخبير في المالية العامة والشؤون الجبائية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، يؤكد في تصريح لوكالة الأنباء المغربية أن رئيس الحكومة يملك من حيث المبدأ حق المبادرة لطلب عقد المجلس الوزاري، حرصا على احترام المسار الدستوري السليم لإعداد مشروع الميزانية. ويرى أن تجاوز هذه الخطوة يجعل المشروع عرضة للطعن في دستوريته.

وأوضح الأستاذ الجامعي أن الحكومات المتعاقبة منذ 2017 أغفلت هذا التعديل الجوهري في المسطرة، إذ ظل المجلس الوزاري يُعقد في نهاية مرحلة الإعداد بدل بدايتها، كما كان معمولا به في ظل دستور 1996 والقانون التنظيمي القديم للمالية رقم 7.98. أما في ظل القانون التنظيمي الحالي رقم 130.13، فإن المجلس الوزاري بات إلزاميا قبل الشروع في الإعداد الفعلي للميزانية.

ويضيف لعسري أن هذا التغيير يعكس إرادة دستورية واضحة في تقوية البعد الاستراتيجي لتوجيهات الدولة، وربط التخطيط المالي بالاختيارات الكبرى التي يحددها المجلس الوزاري، باعتباره إطارا سياديا يجمع بين السلطة السياسية العليا والسلطة التنفيذية.

وفي خضم هذا النقاش، يأتي إعداد مشروع قانون المالية لسنة 2026 في ظرفية اقتصادية دقيقة، تتسم بارتفاع أسعار المواد الأولية والاستهلاكية، واستمرار الضغوط التضخمية، وتفاقم آثار الجفاف وشح الموارد المائية، وهو ما يفرض على الحكومة اعتماد مقاربة أكثر واقعية ونجاعة في تدبير المالية العمومية.

ويرى خبراء الاقتصاد أن المشروع المرتقب لن يخرج عن توجهات سابقيه، لاسيما في ما يتعلق بمواصلة تنزيل ورش الحماية الاجتماعية، عبر المرحلة الثانية المرتبطة بتعميم التعويضات العائلية كآلية بديلة لبرامج الدعم السابقة. كما يتوقع أن يركز المشروع على تحفيز الاستثمار العمومي في حدود لا تقل عن 300 مليار درهم، وتقليص الفوارق المجالية، إلى جانب التحكم في عجز الميزانية عبر خلق هوامش مالية جديدة.

ويشير الدكتور جواد لعسري إلى أن الحكومة ستضخ اعتمادات مالية مهمة في قطاعي التعليم والصحة، بهدف تحسين جودة العرض العمومي وضمان الولوج المتكافئ إلى الخدمات. كما ستستند فرضيات المشروع إلى تحقيق معدل نمو يتراوح بين 3 و4 في المائة، ومحصول فلاحي متوسط يتراوح بين 60 و70 مليون قنطار من الحبوب، فضلا عن حصر معدل التضخم في حدود 4 في المائة، والتحكم في عجز الميزانية ضمن النسبة ذاتها.

في المحصلة، يعيد مشروع قانون المالية الجديد النقاش إلى جوهره المؤسساتي، إذ لا يتعلق الأمر فقط بتوازنات رقمية أو توقعات مالية، بل بمسألة احترام تسلسل الشرعية الدستورية في إعداد أهم وثيقة مالية للدولة، وبتحديد فعلي لمدى استقلالية رئيس الحكومة في تفعيل صلاحياته داخل النظام الدستوري المغربي.

تصنيفات