
بقلم| مراد مزراني
على موائد السياسة بجهة الدار البيضاء – سطات، يبدو أن الاستعدادات للوليمة الانتخابية المقبلة بدأت مبكرًا، لكن بهدوء مريب، وبنكهات تختلف حسب الطباخ والجهة التي تُملي المقادير. في الكواليس، تُعدّ الطبخة الكبرى على نار هادئة، لا دخان فيها بعد، لكن رائحتها بدأت تتسلل إلى المجالس والغرف والقواعد.
في إقليم الجديدة، المشهد أكثر خصوصية. فالشارع السياسي يعيش حالة ترقب حذرة، يطغى عليها سؤال كبير: هل نحن على أعتاب مرحلة تجديد نخب فعلي، أم أن “الطناجرة القديمة” ستُعاد تسخينها بنفس التوابل؟ المواطن الجديدي، الذي لطالما شعر بأنه يُستعمل كمجرد ورقة تزيين في طبق ديمقراطي غير مكتمل النضج، صار يميز بين الوعود المشوية والكلام النيء.
التحركات الحزبية: تسخينات أم إعادة توزيع للسلطة؟
الأحزاب الكبرى بدأت، في صمت، إعادة ترتيب مواقعها داخل الجهة. في البيضاء، تشتغل المطابخ المركزية على فرز أسماء، وتحريك أطباق الولاء والانضباط، وتقييم جاهزية الوجوه القديمة في مواجهة ضغط الشارع واحتراق الرصيد. أما في الجديدة، فالوضع أشبه بساحة انتظار، حيث كل طرف يترقب ما ستُفرزه تسوية فوقية، أو مقايضة إقليمية، ضمن لعبة توزيع الغنائم.
وتُطرح في الكواليس تساؤلات حقيقية حول مصير بعض القيادات التي ظلت لعقود تتصدر المشهد دون تقديم حصيلة تُذكر. هل هناك إرادة حقيقية لطبخة سياسية جديدة بطهاة جدد، أم أننا سنكتفي بتزيين المائدة وتبديل الأواني فقط؟
الجيل السياسي الجديد: وهم التكوين أم بداية التشكل؟
كثر الحديث عن “تكوين جيل جديد من الفاعلين السياسيين”، لكن الواقع يكشف أن معظم التكوين يتم في صالونات النفوذ لا في قاعات التأطير. الشباب المُقبل على الفعل السياسي يجد نفسه بين خيارين: الانخراط في الوليمة بشروط الطباخين القدماء، أو البقاء على الهامش في انتظار “وصفة” لا تأتي.
ولأن السياسة في الجديدة تُشبه إلى حد كبير طبق الكسكس يوم الجمعة: الكل يضع يده، لكن من يُمسك بالمغرفة يتحكم في اللحم. فإن إعادة النظر في من يُدير هذه “المغرفة” السياسية بات ضرورة ملحة، إذا ما أرادت الأحزاب إقناع المواطن الجديدي بالمشاركة بدل المقاطعة، والانخراط بدل التفرج.
في أفق 2026: هل تنضج الطبخة أم تحترق؟
الاستحقاقات القادمة ستكون امتحانًا للنوايا لا للبرامج. فالمواطن المغربي، والجديدي على وجه الخصوص، بات أكثر وعيًا بسيناريوهات الطبخ السياسي، وأدرك أن الكثير مما يُقدّم على الموائد ليس سوى إعادة تسخين لوجوه لم تعد تُشبع تطلعاته.
يبقى الأمل قائمًا، لكن مشروطًا بجرأة فاعلين يقطعون مع “السر المهني” في وصفات توزيع المناصب، وينفتحون على مطبخ المواطن البسيط، الذي ملّ من الأطباق المزينة بالصوت الانتخابي ومليئة بفراغ الإنجاز.