
محمد نشوان /
كثيرًا ما يلاحظ الناس وجود رمز الأفعى ملتفة حول عصا في شعارات الصيدليات والمؤسسات الطبية، ما يدفع إلى التساؤل: ما علاقة هذا الكائن المعروف بسمّه القاتل بعالم العلاج والشفاء؟ فهل هي مفارقة رمزية أم أن هناك جذورًا تاريخية وثقافية تبرر هذا الارتباط؟
يرتبط هذا الرمز ارتباطًا وثيقًا بشخصية أسطورية في الميثولوجيا الإغريقية تُدعى “أسكليبيوس”، وهو إله الطب والشفاء عند الإغريق، وكان يُصوَّر حاملاً عصا يلتف حولها ثعبان. وقد أصبحت هذه العصا، المعروفة باسم “عصا أسكليبيوس”، رمزًا عالميًا للمهنة الطبية.
اختير الثعبان في هذا الرمز لما يُعتقد أنه يمثل الحكمة والتجدد. فالثعابين تطرح جلدها القديم وتخرج بجلد جديد، وهو ما اعتُبر رمزًا للشفاء والتجدد الجسدي. كما كانت الثعابين تُستخدم في طقوس علاجية قديمة وكانت تُربّى في معابد الشفاء في اليونان القديمة.
يرمز الثعبان أيضًا إلى التوازن الدقيق بين السم والدواء، إذ أن العديد من الأدوية الفعالة، بما فيها مضادات السموم، يتم استخلاصها من مركبات سامة موجودة في الطبيعة. ومن هنا، فإن الثعبان يرمز كذلك إلى قدرة العلم الطبي على تحويل ما هو قاتل إلى ما هو شافٍ.
في شعارات الصيدليات خاصة، يظهر رمز آخر أكثر شيوعًا: ثعبان يلتف حول كأس أو وعاء. هذا الرمز مستوحى من الأسطورة المتعلقة بـ”هيجيا”، ابنة أسكليبيوس، والتي كانت مسؤولة عن الصحة العامة والنظافة. وقد كانت تُصوَّر وهي تمسك بكأس يشرب منه ثعبان، فأصبح رمزًا خاصًا بعلم الصيدلة.
يعكس استخدام هذا الرمز الهوية العميقة لمهنة الصيدلة، التي تجمع بين العلم والأسطورة، وبين الطبيعة والطب. وبالرغم من أن الثعبان يُخيف البعض، إلا أن رمزيته في السياق الطبي ترمز إلى المعرفة، التحول، والقدرة على الشفاء.
من خلال هذا الرمز الغريب والمثير، تحافظ مهنة الصيدلة على ارتباطها العريق بتاريخ الطب الإنساني منذ آلاف السنين. وما الأفعى إلا تجسيد لرحلة طويلة من الخطر نحو العلاج، ومن السمّ إلى الدواء، ومن الغريزة إلى الحكمة.