رمضان بسيدي الزوين.. طقوس شعبية تعانق روح التضامن والتآخي

غزلان الصابي / سيد الزوين

لا تزال منطقة سيدي الزوين، الواقعة في نواحي مراكش، تحتفظ بنكهة رمضانية خاصة، تأبى أن تُغيبها التحولات المجتمعية المتسارعة. يبدو الشهر الفضيل أكثر من مجرد صيام، بل هو موعد سنوي تتجدد فيه الروابط الإنسانية، وتُستعاد فيه القيم التي تُشكّل جوهر العيش المشترك.

مع انطلاق أولى ليالي رمضان، تلبس سيدي الزوين حُلّة من الخشوع والسكينة. المساجد تغدو محجًّا لأبناء المنطقة، حيث تُقام صلاة التراويح في أجواء روحانية تشحن النفوس بطاقة الصفاء والتقوى. وفي ذلك، لا يقتصر الأمر على العبادة فحسب، بل يتحوّل المسجد إلى نقطة التقاء يومية تُعيد نسج خيوط القربى بين الأفراد.

ما يلفت الانتباه أن روح الجماعة لا تنتهي عند أبواب المساجد. فبعد الصلاة، تمتد الجلسات العائلية، وتنتعش الزيارات بين الجيران، حيث يتبادل الناس الأطباق والمودة في آنٍ واحد. من الحريرة إلى الشباكية، ومن البغرير إلى التمر والحليب، تبدو مائدة الإفطار في سيدي الزوين تجسيدًا حيًّا للمطبخ المغربي الأصيل، ولمعاني الكرم الذي يتجاوز حدود العادة إلى عمق الشعور بالانتماء والتكافل.

لا يُمكن الحديث عن رمضان في سيدي الزوين دون التوقف عند مظاهر التضامن التي تزداد زخمًا خلال هذا الشهر المبارك. سواء عبر مبادرات فردية أو تنظيمات جماعية، تجد الأسر المحتاجة سندًا من أهل الخير، في صورة تعكس عمق الحس الاجتماعي لدى سكان المنطقة. واللافت أن هذه المبادرات تنبع من وجدان جماعي، لا من واجب مؤقت.

ورغم أن سيدي الزوين لم تكن بمعزل عن التحولات التي مست طبيعة التواصل، خصوصًا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الطابع الشعبي للمنطقة لا يزال حاضرًا بقوة. نعم، تغيّر شكل الزيارة وأسلوب الحديث، لكن روح اللقاء حول مائدة الإفطار، ودفء الأحاديث بين الأهل والجيران، لا تزال صامدة أمام زحف الحداثة.

رمضان هنا ليس مجرد طقس ديني أو عادة موسمية. إنه مناسبة لإحياء صلة الرحم، ولتصحيح المسارات الإنسانية، حيث تُطوى الخلافات، وتُمدّ الجسور من جديد. فكم من خصام انتهى باعتذار عفوي في إحدى الليالي الرمضانية، وكم من قلوب تصافت في حضرة هذا الشهر.

في سيدي الزوين، رمضان لا يُختزل في الصيام ولا في الأطباق الشهية، بل في قدرة الناس على التشبث بالقيم الأصيلة، وفي قدرتهم على جعل الشهر الفضيل محطة للتآخي والتسامح والتآزر. وكأن لسان حالهم يقول: “رمضان يجمعنا، ويعيد إلينا أجمل ما فينا”.

  • Related Posts

    أزمة ثقة

    بوشتاوي إدريس/ من أغرب غرائب عصرنا هذا، أزمة الأخلاق وففذان الثقة في كل شيء بدون سبب أو اية حجة علمية وبراهن منطقية دامغة. فما سبب ذلك يا ترى؟ هل هو…

    زهرة الروح: حين تكون المرأة أفضل نسخة من نفسها

    دنيا صاحب _ العراق في أعماق الوجود، حيث ينفصل النور عن الظلام، وتسمو الروح فوق الجسد، تولد أسمى صور الإنسانية. المرأة، هذا الكائن الذي تتجلى فيه نعمة الخلق ومهابة الوجود،…

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    You Missed

    نهضة بركان يُسقط قسنطينة ويقترب من نهائي الكونفدرالية

    نهضة بركان يُسقط قسنطينة ويقترب من نهائي الكونفدرالية

    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني المتوج بلقب “كان” أقل من 17 سنة

    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني المتوج بلقب “كان” أقل من 17 سنة

    أنشيلوتي يرجئ الحسم في مستقبله مع ريال مدريد إلى نهاية الموسم

    أنشيلوتي يرجئ الحسم في مستقبله مع ريال مدريد إلى نهاية الموسم

    ديربي عربي مثير ونهائي مبكر في نصف نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية

    ديربي عربي مثير ونهائي مبكر في نصف نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية

    ملعب القاهرة ينتظر.. الأهلي وسانداونز في مواجهة مصيرية بعد تعادل صامت

    ملعب القاهرة ينتظر.. الأهلي وسانداونز في مواجهة مصيرية بعد تعادل صامت

    لأول مرة في تاريخه.. المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة بطلا لافريقيا

    لأول مرة في تاريخه.. المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة بطلا لافريقيا