المخاطر الصحية لإعادة استخدام القنينات البلاستيكية: دراسة علمية تكشف الأضرار على المستهلكين

تعتمد شريحة كبيرة من المواطنين على القنينات البلاستيكية بشكل يومي، سواء لشراء المياه المعبأة أو لتخزين السوائل المختلفة، إلا أن معظمهم يجهلون المخاطر الصحية الناتجة عن إعادة استخدامها. توضح العديد من الدراسات الدولية، بالإضافة إلى تقارير من الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن القنينات البلاستيكية تحتوي على مواد سامة قد تتسرب إلى الماء وتسبب مشكلات صحية خطيرة.

تفاعلات البلاستيك والماء: مصدر خطر غير مرئي

أوضح الدكتور محمد الطاهري، أستاذ الكيمياء وخبير في هندسة الماء والبيئة بجامعة الحسن الثاني، أن الماء الذي يصل إلى المنازل من محطات المعالجة يكون في الغالب مهيأ للشرب بعد تصفيته من المعادن الثقيلة، الميكروبات، والفيروسات باستخدام تقنيات متطورة. كما يتم إضافة مواد مطهرة مثل “ماء جافيل” لضمان حماية المياه لمدة 24 ساعة من الميكروبات.

غير أن الخطر الحقيقي لا يكمن في المياه بحد ذاتها، بل في العبوات البلاستيكية التي يتم تعبئتها فيها. يشرح الطاهري أن البلاستيك المستخدم في القنينات يمكن أن يتحلل بمرور الوقت أو عند تعرضه للحرارة، مما يؤدي إلى تسرب جزيئات بلاستيكية دقيقة إلى المياه. هذه الجزيئات، رغم صغر حجمها، قد تؤدي إلى تراكم مواد سامة في الجسم، بما في ذلك الأمعاء، الكبد، وحتى الدم. وقد تبين أن التراكم المستمر لهذه المواد يزيد من احتمالات الإصابة بأمراض مزمنة مثل السرطان، خاصة إذا استمر استهلاك المياه من القنينات البلاستيكية لفترات طويلة.

الجزيئات السامة في البلاستيك: دراسة على المواد الخطرة

يؤكد الخبراء أن القنينات البلاستيكية تحتوي على ملوثات كيميائية خطيرة. من أبرز هذه المواد BPA (Bisphenol A)، وهي مركب كيميائي يستخدم في تصنيع البلاستيك ويعرف بقدرته على التفاعل مع المياه والمشروبات. تشير الأبحاث إلى أن BPA قد يؤثر على النظام الهرموني للإنسان، ويؤدي إلى اضطرابات خطيرة مثل تغيرات في النمو والتطور واضطرابات في الغدد الصماء.

بالإضافة إلى ذلك، تحتوي القنينات على Phthalates، وهي مركبات كيميائية تستخدم لجعل البلاستيك مرنًا. تشير دراسات إلى أن هذه المادة ترتبط بمشكلات صحية تشمل ضعف النمو لدى الأطفال واضطرابات هرمونية تؤثر على الأجيال اللاحقة.

التأثيرات البيئية وتفاقم الخطر بفعل الظروف المناخية

من ضمن المخاطر الأخرى المتعلقة بالقنينات البلاستيكية، أن تخزين المياه في هذه القنينات في ظروف غير ملائمة يزيد من مستوى الخطر. يُعتبر التعرض للحرارة العالية أو الاحتفاظ بالمياه داخل السيارة لأيام عدة من العوامل التي تسرع في تحلل البلاستيك داخل القنينة. التحلل الحراري للبلاستيك ينتج عنه مواد كيميائية خطيرة مثل مركبات الديوكسينات، التي قد تؤدي إلى أمراض خطيرة تتراوح بين السرطان ومشاكل في الجهاز العصبي.

الدكتور حسن بلكبير، طبيب وخبير في تقييم السياسات الصحية، يلفت إلى أن القنينات البلاستيكية قد تحتوي أيضًا على مركبات الرصاص والكادميوم، وهي مواد ثقيلة تستخدم أحيانًا في عملية تصنيع البلاستيك. هذه المواد تعد سامة جدًا وتؤثر سلبًا على الصحة العامة، خصوصًا عند تراكمها في الجسم على مدى سنوات من الاستهلاك المتكرر للمياه المعبأة في البلاستيك.

توصيات علمية لتجنب المخاطر: تغيير العادات اليومية

يؤكد الدكتور محمد الطاهري على ضرورة التوقف عن إعادة استخدام القنينات البلاستيكية لتخزين أي نوع من السوائل، سواء كان ماءً أو زيتًا أو حليبًا. يجب التعامل مع هذه القنينات كمنتج مخصص للاستخدام لمرة واحدة فقط، وعدم إعادة تعبئتها أو وضعها في الثلاجة.

كما ينصح الخبراء باستخدام قنينات مصنوعة من مواد أكثر أمانًا مثل الفولاذ المقاوم للصدأ أو الزجاج، فهي مواد خالية من التسرب الكيميائي وتضمن سلامة المياه المخزنة بداخلها. وللمستهلكين الذين يفضلون شراء المياه المعبأة، يُفضل اختيار القنينات المصنوعة من بلاستيك يحمل رمز PET، الذي يعتبر آمنًا نسبيًا للاستخدام لمرة واحدة فقط.

خلاصة: التهديد اليومي الصامت

أصبحت القنينات البلاستيكية جزءًا من الحياة اليومية، إلا أن الوعي المتزايد بخطر المواد الكيميائية المتسربة منها إلى المياه قد يدفع المستهلكين إلى تغيير عاداتهم. إن الحرص على شراء الكميات المناسبة من المياه، والتأكد من عدم تعرض القنينات للحرارة أو إعادة استخدامها يمكن أن يساهم في تقليل المخاطر الصحية المحتملة.

المفتاح الأساسي لتجنب هذه المخاطر هو تبني عادات استهلاكية أكثر وعيًا، من خلال الابتعاد عن البلاستيك قدر الإمكان واستخدام البدائل الآمنة والمستدامة للحفاظ على صحة الأفراد والمجتمع على المدى البعيد.

  • Related Posts

    جهود متواصلة لتعزيز جودة الخدمات الأمنية بالخميسات

    كريم العماري | الخميسات شهدت مصالح الأمن الوطني بمدينة الخميسات خلال الفترة الأخيرة تحسنًا ملموسًا في مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين، خاصة على صعيد دوائر الشرطة ومصلحة التوثيق وبطاقات التعريف الوطنية. هذا…

    المزيد

    المغرب يختبر قدرات مقاتلات F16 Viper في مناورات جوية مع فرنسا

    شهدت الأجواء الفرنسية تنفيذ تمرين جوي مشترك حمل اسم “ماراثون 2025” جمع بين القوات المسلحة الملكية المغربية ونظيرتها الفرنسية، في خطوة تعكس المستوى المتقدم للعلاقات الدفاعية بين الرباط وباريس وتكرس البعد…

    المزيد

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    قد فاتك

    وزير الصحة يعطي انطلاقة خدمات مركز علاج الأمراض التنفسية بمدينة سطات

    وزير الصحة يعطي انطلاقة خدمات مركز علاج الأمراض التنفسية بمدينة سطات

    المغرب التطواني يعيّن خالد فوهامي مدربًا للفريق الأول

    المغرب التطواني يعيّن خالد فوهامي مدربًا للفريق الأول

    صدام بين تشيلسي وفلومينينسي في نصف نهائي مونديال الأندية

    صدام بين تشيلسي وفلومينينسي في نصف نهائي مونديال الأندية

    حادثة سير مؤلمة بجماعة سيدي داود

    حادثة سير مؤلمة بجماعة سيدي داود

    “نارسا” تطلق خطة صيفية صارمة لمواجهة تصاعد حوادث السير في المغرب

    “نارسا” تطلق خطة صيفية صارمة لمواجهة تصاعد حوادث السير في المغرب

    أخنوش: الحكومة وضعت نظاما تحفيزيا يقلص فوارق الأجور بين مهنيي الصحة في القطاعين العام و الخاص

    أخنوش: الحكومة وضعت نظاما تحفيزيا يقلص فوارق الأجور بين مهنيي الصحة في القطاعين العام و الخاص