
يواصل الفنان محمد حافظي استقبال عشاق الفن التشكيلي بمعرضه في رواق باب الكبير بالرباط حتى 15 أكتوبر الجاري. يُعد هذا المعرض فرصة نادرة للتعرف على تجربة حافظي التي تجمع بين التحول البيئي والمزج بين الطبيعة والمعدن، حيث يقدم أعمالًا فنية تتسم بالعمق والتجريد والتفاصيل الدقيقة.

في قراءة تحليلية للدكتور حسن لغدش، يتضح أن أعمال حافظي تحمل ثنائية مميزة بين “الانفتاح والانغلاق”. فعلى مستوى “الانفتاح”، يبتكر الفنان أعمالًا تنبثق من توازن معقد بين الطبيعة والثقافة، ما يُترجم إلى دعوة للتأمل والتمعن. الألوان المتناغمة والخطوط التشكيلية الدقيقة تدفع المشاهد للغوص في عوالم متعددة الأبعاد، حيث تبدو كل لوحة كفصل مستقل ومكتمل في ذاته، يفتح نوافذ جديدة نحو استكشاف خيال الفنان.

تتسم أعمال حافظي بقدرتها على إظهار “السمو البصري”، إذ تُقرأ من خلال التفاعل البصري بين الأشكال والألوان التي تتناغم مع العناصر الطبيعية. هذه الأعمال ليست مجرد تشكيلات، بل هي تجسيد لتجربة وجودية، قائمة على لقاء مع العالم المادي والمفاهيم الفلسفية العميقة.

أما على مستوى “الانغلاق”، فإن إبداع حافظي يتجسد في سيطرته الكاملة على المعدن، المادة الصعبة والقاسية. يُخضع الفنان المعدن لعملية تركيب دقيقة تعتمد على تقنيات التدوير، حيث يحرص على استجابة أعماله للمسائل البيئية من خلال تحويل المعدن إلى عنصر نابض بالحياة، ليعيد تشكيله بما يتماشى مع فلسفة الاستدامة.

يستخدم حافظي أسلوبًا تجريديًا معقدًا يعتمد على تداخل الأشكال المحدبة والمقعرة، ما يخلق إحساسًا بالامتداد واللانهاية. المعدن، رغم صلابته، يظهر في لوحات حافظي كعنصر ديناميكي، يتحرك ويتفاعل مع الأكسدة ليكتسب طابعًا حيًا ومتغيرًا باستمرار. هذا التفاعل بين المادة والبيئة يمنح أعمال حافظي بعدًا فلسفيًا، حيث يُحرر المعدن من دلالاته التقليدية المرتبطة بالبرودة والصلابة، ليحوله إلى عنصر عضوي يتأثر بالزمن ويتغير معه.
ما يجعل تجربة حافظي فريدة هو هذا المزج بين التقنيات الصناعية المعمارية وفن التشكيل الحديث، مما يخلق رؤية بصرية متعددة الطبقات. أعماله ليست مجرد تشكيلات بصرية، بل هي مغامرة فنية عميقة تنكشف أمام المشاهد في لحظة تأمل، وهي تعبير عن بحث دائم عن التوازن بين المادة والخيال، بين الإنسان والطبيعة.
في النهاية، يمكن القول إن تجربة محمد حافظي هي رحلة فنية تتجاوز حدود الفن التقليدي، حيث يتحد المعدن والألوان لتكوين رؤية بصرية جديدة، تسعى إلى إحداث تحول بيئي وفني على حد سواء.