بد الصادق السراوي..وكالة الأنباء المغربية

أضحى الهاتف النقال اليوم أفيون الشعوب، شن علينا حربا لم يشهد العالم مثلها من قبل، سلبنا متعة الحياة وأفقدنا اللذة في كل شيء؛ شتت الشمل وخلع عنا الحياء وأصابنا بالكسل والخمول، أفقدنا الثقة في ذواتنا وهدر وقتنا. كم أفسد من صداقة وكم هدم من أسرة وكم طلق من زوج وكم أهلك من شاب وكم دنس من فتاة. ما من دقيقة فراغ من وقتنا، وما أثمنه، إلا ونقضيها أمام شاشة هذا الكائن الخطير، لا نستطيع أن ننام دون أن نلقي عليه نظرة ولا نبدأ أول نهارنا إلا بالنظر إليه. نعتني به أكثر من أنفسنا ونحرص على أن نملأ بطاريته أكثر من حرصنا على ملء بطوننا وعقولنا.

‌يكفي في مجمع ما أن يلقي القادم منا السلام، فيضم يده إلى جيبه ليخرج هاتفه، إن لم يكن يمسكه في يده، فيركن إليه، قد يحادثك وعينه مشدودة إلى شاشته وكأنه مركز معك وهو في الحقيقة غارق في عوالمه الاقتراضية. وما إن تجلس في بيتك أو قربه حتى يحوم عليك الصغار وأعينهم مشدودة إلى شاشتك بانبهار، ينظرون كيف تمرر الصفحات ببصمتك ويركزون بشدة كي يحفظون خطة تشغيله ليسرقونه منك خلسة لينقروا على “الطاكتيل”. الشباب والأطفال لا حياة لهم بدون هاتف وكأنه الأكسجين. فترى أين كنا سنصل لو كنا نحمل الكتاب ونعتني به أكثر مما نحمل هواتفنا ونعتني بها، فإلى أين المصير…