









جواد لعسري يفكك مغالطات وزير المالية: القانون لا يقرأ بالمزاج ولا بالتقادم الإداري
الوكالة
2025-11-02

محمد البشيري
في لحظة نادرة من التفاعل المباشر بين السياسة والفكر القانوني، اشتعل النقاش داخل قبة البرلمان حول الأسس الدستورية لإعداد قانون المالية، بعد أن اختار الوزير المنتدب لدى وزير المالية المكلف بالميزانية السيد فوزي لقجع الرد علناً على مقال تحليلي صادر عن وكالة الأنباء المغربية، بينما تولى صاحبه، الدكتور جواد لعسري، تفكيك الموقف الوزاري من زاوية دستورية دقيقة، ليُفتح بذلك واحد من أكثر الملفات حساسية في علاقة السلطة التنفيذية بالمؤسسة الدستورية.
خلال مداخلته أمام البرلمان، ضمن المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026، خرج الوزير المنتدب لدى وزير المالية فوزي لقجع بردّ مباشر وغير معتاد على المقال التحليلي الذي نشرته وكالة الأنباء المغربية بعنوان: “جواد لعسري: قانون المالية 2026 يكشف ارتباك الحكومة بين الدستور والواقع”، وهو المقال الذي أعاد إلى السطح نقاشاً عميقاً حول الشرعية الدستورية لمسار إعداد الميزانية العامة.
لقجع، المعروف بدفاعه القوي عن الأداء الحكومي، اعتبر أن التحليل الوارد في المقال يخلط بين المساطر الإدارية والمقتضيات الدستورية، مؤكداً أن الحكومة الحالية “تشتغل في احترام تام للنصوص القانونية والتنظيمية”، وأن عرض التوجهات العامة أمام المجلس الوزاري لا يتعارض مع مسطرة الإعداد الإداري الأولي. وقال الوزير أمام السادة النواب بمقر البرلمان :
“هناك من يتحدث عن خرق دستوري وهم لا يميزون بين المسار التقني والمسار الدستوري، الحكومة لم تتجاوز الدستور، بل احترمته بنداً بنداً، والمشكل الحقيقي هو في القراءة الانتقائية للنصوص، وليس في الممارسة الحكومية.”
في رد قانوني ودستوري متين على مداخلة الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، الدكتور جواد لعسري أعاد النقاش إلى جوهر الإشكال، مذكّراً بمبدأ راسخ في الفقه والعمل القضائي، سواء الدستوري أو العادي، وهو مبدأ “تطبيق القانون من حيث الزمان”، الذي يُلزم التمييز بين الممارسة الإدارية السابقة ودخول القواعد الدستورية والتنظيمية الجديدة حيز التنفيذ.
وأوضح لعسري أن الوزير سقط في خلط واضح بين ما كان معمولاً به قبل سنة 2017، حين لم تكن الحكومات مقيدة بضرورة التداول في التوجهات العامة لقانون المالية داخل المجلس الوزاري، وبين ما أقرّه دستور 2011 والقانون التنظيمي رقم 130.13 المتعلق بقانون المالية، اللذان نقلا عملية الإعداد من مجرد ممارسة إدارية إلى مسطرة دستورية مضبوطة.
وأكد الباحث أن الفرق الجوهري بين التقادم الإداري والمشروعية الدستورية يكمن في أن الأولى كانت ممارسة بحكم العادة، بينما الثانية صارت قاعدة آمرة، لا يمكن لأي سلطة تنفيذية تجاوزها تحت ذريعة الاستمرارية أو الأعراف الإدارية. فالدستور، يضيف لعسري، يسمو على القانون وعلى الممارسة، ويؤطرهما معاً في اتجاه واحد: ربط المسؤولية بالمشروعية، لا بالتقليد الإداري.
لكنّ ردّ الدكتور جواد لعسري، أستاذ المالية العامة والمحلل السياسي، جاء أكثر حدة وصرامة، إذ وصف ما قاله لقجع بأنه “خلط مؤسساتي بين زمنين تشريعيين مختلفين”، مضيفاً أن الوزير يستند إلى ممارسات تعود إلى ما قبل دخول القانون التنظيمي للمالية رقم 130.13 حيّز التنفيذ في فاتح يناير 2016، “في حين أن أحكام هذا القانون لا تسري إلا على مشاريع قوانين المالية المبرمجة ابتداءً من سنة 2017”.
وأوضح لعسري أن الإعداد الإداري لقانون المالية قبل 2016 لم يكن مشروطاً بانعقاد المجلس الوزاري، وأن الحكومات السابقة كانت تتحرك في فراغ مسطري، لأن دستور 1996 لم يفرض أي إلزامية لانعقاد المجلس في مرحلة الإعداد، بل اكتفى بالنص على عرض المشروع بعد المصادقة الحكومية، طبقاً للفصلين 92 و66 من ذلك الدستور.
وفي السياق نفسه، شدد لعسري على أن الحكومات قبل قانون مالية سنة 2017 لم تكن مقيدة في إعداد الميزانيات بسبقية التداول في التوجهات العامة للمشروع من قبل المجلس الوزاري، لأن هذه المسطرة لم تكن منصوصاً عليها لا في الدستور السابق ولا في القانون التنظيمي القديم للمالية، مضيفاً أن استدعاء تلك المرحلة اليوم لتبرير اختلالات حالية “هو قراءة خارج زمنها الدستوري”.
أما اليوم، فالوضع تغيّر جذرياً، يؤكد لعسري، لأن الفصل 49 من دستور 2011 والمادة 46 من القانون التنظيمي الجديد للمالية حدّدا بوضوح أن التوجهات العامة لمشروع قانون المالية تُعرض على المجلس الوزاري قبل الشروع في الإعداد الفعلي، ما يعني أن أي عمل إداري قبل هذا العرض يُعدّ تجاوزاً للمسار الدستوري الجديد.
وأضاف الباحث أن الخلط بين المادة 46 من القانون التنظيمي الحالي والمادة 32 من القانون السابق 07.98 يعكس ارتباكاً في الفهم القانوني داخل دوائر القرار المالي، مشيراً إلى أن الحكومة جعلت من الممارسة الإدارية القديمة قاعدةً لتبرير تأخرها في الانضباط للمقتضيات الجديدة.
وختم لعسري بالقول إن منطق الدولة لا يُبنى على السوابق الإدارية، بل على وضوح القاعدة القانونية واحترام التسلسل الدستوري في صناعة القرار المالي، في إشارة واضحة إلى أن قانون المالية 2026 لن يكون مجرد وثيقة مالية، بل مرآة لمدى نضج الدولة في التعامل مع دستورها.




