العدالة في مواجهة أخطبوط الفساد بزاكورة.. المال والماء والنفوذ في قفص الاتهام

الوكالة

2025-10-29

محمـد البشيــري

في زاكورة، لا تهدأ النيران. فشرارة الفساد التي اشتعلت منذ سنوات داخل جماعة أولاد يحيى لكراير، تعود اليوم لتتقد من جديد داخل قاعة محكمة جرائم الأموال بمراكش. المال العام هناك لم يكن أداة للتنمية، بل وقوداً لمعركة خفية بين النفوذ والمصلحة، حيث تداخلت السياسة بالمقاولة، واختلطت المشاريع بالأطماع، وانتهى الأمر بملفات تفيض بالاتهامات والتلاعبات.

غداً، الخميس 30 أكتوبر 2025، يترقب الرأي العام فصلاً قضائياً مثيراً في واحدة من أكثر القضايا سخونة بجهة درعة تافيلالت، حين يقف رؤساء جماعات سابقون ومقاولون وموظفون أمام العدالة، بتهم ثقيلة تتعلق بتبديد المال العام، والتزوير في الصفقات، وتشييد مشاريع واهية لا وجود لها إلا على الورق.
القضية التي امتدت على مدى سبع سنوات، تُحاكم فيها عشرة أسماء ثقيلة: ثلاثة رؤساء جماعات سابقين ، أحدهم برلماني سابق، و ثلاثة مقاولين بينهم رئيس غرفة مهنية سابق، إلى جانب موظفين بعمالة زاكورة ، في ملف انطلق من شكاية سنة 2018 تتحدث عن اختلالات مالية وتلاعبات خطيرة في الصفقات العمومية ، ومشاريع وُلدت على الورق فقط.

جلسة الغد ستخصص للمرافعات الختامية لثلاثة متهمين، بعدما أنهت المحكمة الاستماع لبقية الأطراف في سلسلة من الجلسات الماراثونية، كشفت عن شبكة معقدة كانت تتحكم في تدبير المال العام وتعيد إنتاج الفساد داخل الجماعة بذكاء بيروقراطي لافت.

مشاريع بملايين الدراهم تحوّلت إلى سراب : ملعب قرب مغشوش، مشروع الماء الصالح للشرب الذي تجاوزت كلفته 300 مليون سنتيم وسط شبهات تضخيم الفواتير والتلاعب في الإنجاز، ومشروع دار الشباب الذي رُصد له 120 ألف درهم لأشغال تبليط وتشجير، لكن الواقع يؤكد أنه لم يُنجز منه شيء.

وراء كل هذه الوقائع تقف حكومة ظلّ محلية ، تحرك الخيوط من الخلف وتعيد تدوير الوجوه نفسها، فيما المواطن اليحياوي يواجه العطش والتهميش ورداءة البنية التحتية. هكذا تحوّل الشأن الجماعي إلى غنيمة، والمناصب إلى حصون تُحمى بها المصالح الشخصية.

القضية اليوم ليست مجرد متابعات فردية، بل امتحان حقيقي لكسر حلقة الريع في زمن يُرفع فيه شعار “ربط المسؤولية بالمحاسبة”. إنها مرآة عاكسة لواقع محلي مثقل بالاختلالات، حيث يُمارس الفساد بصمت، ويتخفى في التفاصيل التقنية والصفقات المغلفة بالشرعية الشكلية.

الرأي العام في زاكورة يترقب ما ستقرره المحكمة، لكن الكل يعلم أن ملف أولاد يحيى ليس سوى قمة جبل الجليد . خلفه ملفات أخرى تتفاعل بهدوء: ملف الحزام الأخضر الذي يُتابع فيه رئيس المجلس الإقليمي السابق، و ملف مشروع تطهير السائل بتاكونيت الذي يتابع فيه الرئيس الحالي للمجلس نفسه، إضافة إلى ملف الحي الصناعي والمحطة الطرقية بزاكورة، حيث تتكرر التهم ذاتها: تبديد المال العام وسوء التدبير.

وفي نهاية المطاف، سواء أُغلق الملف بالحكم أو فُتح الباب لاستئنافات جديدة، تبقى الحقيقة واحدة: الفساد لا يموت بالحكم القضائي، بل من لحظة كشف الحقيقة كاملة. وزاكورة اليوم أمام مفترق حاسم: إما أن تنتصر العدالة وتقطع دابر المال الفاسد المتغلغل في مفاصل الجماعات، أو تظل التنمية رهينة مثلث النار: المال والنفوذ والماء.

تصنيفات