









“ليلة العرفان: عندما يعانق المديح النبوي ذاكرة المدينة في بهاء الروح”
وكالة الأنباء المغربية
2025-03-19

بدر قلاج/
في أجواء رمضانية مفعمة بالنور والسكينة، شهد بهو القصر البلدي بمراكش ليلةً استثنائية من الإنشاد الروحي والتكريم العرفاني. نظم المجلس الجماعي لمدينة مراكش، بتعاون مع المندوبية الإقليمية للشؤون الإسلامية، حفلاً فنياً للمديح النبوي وإنشاد دلائل الخيرات تحت شعار “ليلة العرفان”، ليكون لقاءً يفيض بمحبة المصطفى ﷺ، ويجسد الوفاء لمن حملوا مشعل القيم الروحية وساروا على درب الإحسان.

لم يكن هذا الحدث مجرد حفل إنشادي، بل سفرًا روحياً يبحر بالحاضرين إلى عوالم الصفاء والتجلي، حيث تعالت أصوات المنشدين بمقامات الحب النبوي، وكأن الزمن عاد إلى لحظات النقاء الأولى، حين كان الذكر مرآةً للقلوب يضيء عتمات الحياة. جاءت دلائل الخيرات، بعباراتها العذبة ومعانيها العميقة، لتكون النجم المتوهج في سماء هذه الليلة، حيث تنافس المنشدون في ترتيلها بأصوات تفيض بالشوق، فتحولت الألحان إلى جسور تصل القلب بالمطلق، وتوقظ في النفوس جذوة الإيمان والتوق إلى حضرة النبي الكريم ﷺ.

وكانت هذه الليلة مناسبة لتكريم ثلة من المقيمين الدينيين، تقديرًا لجهودهم في ترسيخ القيم الروحية وتعليم الناس أصول الدين، وحفظ التراث الصوفي والمدحي. جاء هذا التكريم عرفانًا بدورهم الحيوي في حياة المجتمع، فهم بمثابة صلة وصل بين الأجيال وسفراء للحكمة الدينية المتوارثة، يحملون مشعل الإرشاد الروحي ويواصلون مسيرة العطاء في صمت ونكران للذات.

لم يكن اختيار بهو القصر البلدي لإقامة هذا الحدث محض صدفة، بل كان امتدادًا لروح المدينة العريقة، التي لطالما كانت مراكش مهدًا للصوفية ومنارة للعلماء والعارفين. ومن بين جدرانه العتيقة، انطلقت نغمات الإنشاد لتعانق فضاء المدينة، وكأنها تستعيد صدى أزمنة ذهبية كانت فيها مراكش منارة للروح والتصوف والفكر العميق. وما شهده القصر البلدي في هذه الليلة لم يكن مجرد احتفال رمضاني عابر، بل فعلًا ثقافيًا وروحيًا يعيد للذاكرة الحية مكانتها في نسيج المجتمع، ويمنح للمديح النبوي بعده العميق كمدرسة تربية للذوق الإيماني وتهذيب للوجدان.
في زمن تتسارع فيه الحياة، يبقى للمديح النبوي سحره الذي يلتقي فيه الحاضر بالماضي، وتتعانق فيه القيم الروحية مع الأصالة. كانت ليلة العرفان أكثر من مجرد احتفاء رمضاني؛ لقد كانت لحظة تأمل عميقة في معنى الوفاء، حيث بدت المدينة وكأنها تنصت لصدى الذكر، مستعيدةً صوفيتها الأصيلة، ومستضيئةً بأنوار المحبة التي لا تخبو.



