تمارة: حادثة اعتداء على رجال السلطة تكشف أزمة احترام القانون وهيبة الدولة

الوكالة

2025-03-24

عبدالكريم الحساني /

في حادثة مأساوية هزت مدينة تمارة المغربية، تجسد مشهد مروع يوثق انحدارًا أخلاقيًا وقانونيًا خطيرًا، حيث تحولت الواقعة، التي جرى تصويرها وتوثيقها بفيديو انتشر بسرعة هائلة على منصات التواصل الاجتماعي، إلى “قضية رأي عام” تسوقها وسائل الإعلام الاجتماعي بفظاظة، مما يعيد طرح أسئلة مقلقة حول حدود احترام هيبة الدولة وأهمية تقدير المؤسسات الرسمية في المجتمع. فالسيدة التي اعتدت بشكل وحشي على موظف حكومي يحمل صفة “فائد المحلقة السابعة” في حادثة وثقها الفيديو الشهير، لم تكتف فقط بالاستفزاز المستمر للقانون، بل أحدثت بفعلة اعتدائها جرحًا عميقًا في العلاقة الحساسة بين المواطن والسلطة.

المشهد الذي تم التقاطه عبر كاميرات الهواتف المحمولة لم يظهر فقط تحديًا سافرًا من المعتدية ضد رجال الأمن، بل كشف أيضًا عن “ثقافة الاستهتار بالقانون” التي تتفشى في بعض الفئات المجتمعية التي تعامل ممثلي الدولة ليس كحماة للعدالة والنظام، بل كخصوم يجب التغلب عليهم. الاعتداء الذي وقع في شوارع تمارة، حولت تلك الشوارع إلى مسرح مفتوح لـ “مهزلة عنف” تؤكد استهانة فئة من المجتمع بكل ما يمثل السلطة والنظام، في خطوة متعمدة تسخر من قيم الاحترام وأسس التعاون بين المواطن والدولة.

التحرك السريع من النيابة العامة في الرباط، التي أصدرت أمرًا فوريًا باعتقال المعتدية ومرافقيها، يعتبر رسالة قوية بأن القانون سيأخذ مجراه دون تهاون. هذه السرعة في التدخل تعكس التأكيد على أن العدالة لا تتسامح مع أولئك الذين يستهينون بمؤسسات الدولة ويُخضعون احترامها للعبث والفوضى. لكن في الوقت نفسه، تكمن الجريمة الأكبر ليس فقط في الاعتداء الجسدي ذاته، بل في أولئك الذين حاولوا تبرير هذه الفعلة البشعة تحت شعار “حقوق الإنسان”! إذ يصبح من المستغرب أن يتم تقديم مبررات لهذه الأفعال العنيفة التي تهدد هيبة الدولة ومؤسساتها، باسم حقوق فردية لا علاقة لها إطلاقًا بالتصرفات المهينة والمخالفة للقانون.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يمكن حقًا اعتبار الاعتداء على رجال السلطة مجرد “مسألة قابلة للنقاش” أو “ممارسة حقوقية”؟ أين يكمن الخط الفاصل بين النقد المشروع والتمادي في إذلال من يقومون بواجباتهم في حماية النظام والأمن العام؟ إن رفع شعار “حقوق الإنسان” لتبرير التصرفات التي تسعى لإهانة السلطات يشكل ضربة مباشرة لأعمدة الشرعية التي تقوم عليها الدولة. فلا يمكن استغلال الحقوق المشروعة كمبرر للفوضى والانحراف عن مسار القيم المجتمعية السليمة.

اليوم، ومع تحديد القضاء المغربي لأول جلسة لمحاكمة المتورطين في هذه الحادثة في 26 مارس الجاري، أصبحت الرسالة التي يرسلها النظام القضائي واضحة: “القانون ليس عاجزًا”. سرعة استجابة النيابة العامة في محاسبة المعتدين تعكس مدى الجدية في التصدي لكل من يحاول المساس بهيبة مؤسسات الدولة. كما أنها تؤكد أن العدالة المغربية ستظل صلبة في مواجهة محاولات الإساءة لمكانة رجال السلطة وكل من يتحمل مسؤولية الحفاظ على النظام العام.

لكن، في الوقت نفسه، يبقى السؤال الأعمق: متى سيتسنى للمجتمع المغربي أن يدرك أن احترام رجال السلطة ليس خضوعًا لهم أو للقانون، بل هو عنصر أساسي لضمان استقرار المجتمع وبناء دولة قانون تحترم حقوق الجميع؟ فإهانة مؤسسات الدولة هي إهانة لكل فرد في المجتمع، لأن ذلك يُسهم في تقويض الأسس التي يقوم عليها النظام الاجتماعي والسياسي في البلاد.

هذه الحادثة ليست مجرد “حادثة فردية” أو “تصرف عابر”، بل هي جرس إنذار يُطالب المجتمع والمُشرعين بإعادة التفكير في كيفية بناء علاقة صحية بين المواطن والدولة، علاقة تقوم على الاحترام المتبادل. فالدولة ليست عدواً والمواطن ليس خصمًا؛ إنها شراكة في بناء الوطن وتحقيق استقراره. أما أولئك الذين يرفضون هذه الشراكة، فيجب أن يعلموا أن العدالة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التعدي على مؤسسات الدولة، وأن القبضة القضائية ستكون أقسى من أي قبضة عابثة، وأن الانتصار سيكون دائمًا للعدالة والنظام، لا للفوضى والتجاوزات.

تصنيفات