









بين ذاكرة الجدران ورهانات التجديد.. تحالف المجتمع المدني وسلطة القرار في حماية روح المدينة العتيقة لمراكش
الوكالة
2025-03-11

بدر قلاج/
في خطوة تعكس دينامية الفعل المدني في حماية التراث وتعزيز دوره في التنمية المستدامة، استقبل محمد الإدريسي، النائب الأول لرئيسة مجلس جماعة مراكش، وفدًا من “الائتلاف من أجل المدينة العتيقة”، الذي يضم شخصيات من منظمات المجتمع المدني، وخبراء في التراث، وأكاديميين، وجمعويين، يعملون جميعًا في شراكة مع جمعية منية لإحياء تراث المغرب وصيانته.

المدينة العتيقة لمراكش ليست مجرد نسيج عمراني قديم، بل هي كيان ثقافي واقتصادي يشكّل روح المدينة وهويتها. ومن هذا المنطلق، قدّم أعضاء الائتلاف رؤيتهم لتنميتها داخل أسوارها التاريخية، باعتبارها المحور الأساسي للاقتصاد المحلي والوجدان الثقافي لسكان المدينة. هذه الرؤية لا تقتصر على الحفاظ على التراث المادي، بل تمتد إلى تعزيز دوره كقاطرة تنموية، عبر مشاريع تُراعي خصوصيات المدينة وتستثمر في إمكانياتها السياحية والثقافية.

وخلال اللقاء، عبّر أعضاء الوفد عن استعدادهم لمواصلة العمل على طرح أفكار مبدعة تسهم في الحفاظ على هوية المدينة العتيقة، مع تقديم اقتراحات عملية لإنجاز مشاريع طموحة ضمن برنامج عمل جماعة مراكش (PAC 2022-2028). وقد نوهوا بالجهود المبذولة في هذا الإطار، مشيرين إلى أهمية تطوير استراتيجيات تضمن استدامة هذه المشاريع وتعزز التكامل بين الأصالة والتحديث.
كما لم تغب عن النقاش القضايا الملحّة التي تؤرق ساكنة المدينة وزوارها، من قبيل معضلة السير والجولان، وضرورة تحسيس المواطنين بأهمية التراث، إلى جانب الحاجة إلى تقوية المؤسسات الثقافية والسياحية التي تُشكّل ركيزة الحياة الاقتصادية لمراكش. هذه القضايا ليست مجرد تحديات ظرفية، بل هي جزء من إشكالية أعمق تتعلق بتدبير المدن العتيقة في المغرب، حيث يتداخل البعد التراثي مع الضرورات التنموية في معادلة حساسة تتطلب توازناً دقيقاً.

لقاء نائب العمدة بوفد “الائتلاف من أجل المدينة العتيقة” يكشف عن تحوّل مهم في طريقة التعامل مع التراث، حيث لم يعد الشأن التراثي حكرًا على المؤسسات الرسمية، بل أصبح مجالًا للحوار والتفاعل بين الفاعلين المدنيين وصانعي القرار. هذا التوجه يعكس إدراكًا متزايدًا بأن حماية التراث ليست مجرد مسألة ترميم معالم قديمة، بل هي عملية مجتمعية تتطلب رؤية شاملة تدمج بين الحفاظ على الهوية والاستجابة لمتطلبات العصر.
غير أن السؤال الذي يظل مطروحًا هو: إلى أي مدى يمكن لمثل هذه المبادرات أن تتحوّل إلى سياسات فعلية تُحدث فرقًا ملموسًا؟ فالتجارب السابقة تُظهر أن الكثير من المقترحات الطموحة تصطدم بتعقيدات بيروقراطية أو بإكراهات مادية تُؤخر تنفيذها. لذلك، يبقى التحدي الأساسي هو ضمان استمرارية هذه الدينامية التشاركية، بحيث لا تظل مجرد لقاءات موسمية، بل تتحوّل إلى آلية مستدامة لصياغة مستقبل المدينة العتيقة لمراكش.
المدينة العتيقة ليست مجرد إرث مادي يجب الحفاظ عليه، بل هي ذاكرة حية تحتاج إلى مشاريع جريئة تضمن استمراريتها للأجيال القادمة. فهل سيكون هذا الائتلاف المدني نقطة تحول في مسار حماية هذا التراث العريق، أم أن التحديات التي تواجهه ستُبقيه في دائرة النوايا الحسنة دون ترجمة فعلية على أرض الواقع؟




