









أكادير .. محاضرة حول التحولات الاجتماعية بالواحات المغربية والامتداد التاريخي نحو إفريقيا
الوكالة
2025-03-15

خليفة بوطيب/
في إطار سلسلة أنشطة شعبة التاريخ رمضان 1446 هـ، احتضنت قاعة الإنسانيات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة ابن زهر بأكادير، يوم الخميس 13 مارس 2025، محاضرة بعنوان “التحولات الاجتماعية بالواحات المغربية: الإنسان والمجال”، والتي أطرها وألقاها الدكتور امحمد إحدى، أستاذ التعليم العالي بنفس الكلية، والخبير في التنظيمات القبلية والمجموعات البشرية، خصوصاً بالجنوب الشرقي للمغرب، الذي يدخل المجال الواحي ضمن أهم مكوناته، والتي لاقت اهتماماً من طرف الأستاذ المحاضر طوال 34 سنة، مكنته من إصدار مجموعة من الكتب والمراجع، وكذا مجموعة من المقالات العلمية في مختلف المجلات المهتمة بمجال التاريخ داخل وخارج الوطن.

المحاضرة التي قدم فقراتها الدكتور أحمد الشايخي، أستاذ التعليم العالي للتاريخ بنفس الكلية، كانت فرصة للحضور المتنوع من طلبة وباحثين ومهتمين للنهل من كل هذه الخبرة المرتبطة بتاريخ الهامش، وبالخصوص مجال الواحات وما حدث فيها من تحول اجتماعي، تناوله الدكتور امحمد إحدى طوال الفترة الممتدة من الساعة الحادية عشرة صباحاً إلى غاية الرابعة عصراً، انتقل خلالها المحاضر بين مواضيع متعددة قصد مقاربة الموضوع من خلال ثلاثة محاور رئيسية، أكد خلالها أهمية “تقبيلت – القبيلة” ليس في المجال الواحي فقط، بل في جميع ربوع الوطن، كواحدة من أهم موجهات العلاقات داخل المجتمع ككل.
وانتقل الدكتور إلى تأكيده على ضرورة ضبط المجال الواحي بكل مكوناته، خصوصاً اللغة الأمازيغية، وذلك بالنسبة للباحثين الدارسين لإحدى مواضيع الواحة، مشدداً على أهمية دراسة الكم الهائل من الوثائق المهتمة بتاريخ الواحة، دون إغفال الشهادة الشفوية، مشيراً في ذات السياق إلى ضرورة امتلاك كفايات تواصلية، ليتمكن الطلبة الباحثون من نيل ما يبتغونه من شهادات شفوية. ووجه عناية هؤلاء الطلبة لضرورة الاهتمام بالشهادة الشفوية الصادرة عن المرأة، مع مراعاة الطابع المحافظ للمجال الواحي.
التنظيمات والهجرات القبلية، خصوصاً المعقلية منها، كان لها نصيب من المحاضرة، باعتبار دورها في جزء من التحولات الاجتماعية داخل الواحة، باعتبارها وافدة انضافت إلى القبائل الأمازيغية الأصيلة هناك، وما رافق ذلك من أحداث كتبت تاريخاً يستحق البحث. فكان المرور على قبائل كعرب الصباح، وما ارتبط ببعض قصورها كقصر العبادلة والمعاضيد والجرف، وكذا بني امحمد المهتمة بالنشاط التجاري في درعة وتافيلالت وتيميمون، والذي دفعها للتحالف مع أيت خباش خلال فترات تاريخية.

أيت خباش، المكون العطاوي، كان حاضراً ضمن فقرات المحاضرة، ومن خلاله الاتحادية الشهيرة “اتحادية أيت عطا”، حيث تم التطرق، سواء خلال المحاضرة أو المناقشة، إلى ظروف التأسيس ومختلف الأحداث المرافقة لذلك، بما فيها مقاومة المستعمر الفرنسي.
ولهذا كان من الطبيعي أن يتم التطرق إلى الحلف المناوئ، “حلف أيت يافلمان” بالمجال الواحي، الذي أكد د. إحدى بأنه من مجالات واحية تعزز التعايش وتحمل تنوعاً، سواء في درعة أو تافيلالت أو غيرها من واحات الجنوب المغربي.

التشكيلات الاجتماعية كانت حاضرة كذلك؛ إذ تحدث الأستاذ المحاضر عن الحراطين كمكون بارز في مجال الواحة، عندما صحح تمثلات الحاضرين حوله، بعيداً عن تصنيفهم من خلال بشرتهم، مؤكداً ارتباط المفهوم بغياب الانتماء إلى أي عصبية قبلية، وهي التي تميزهم عن سواهم.
المكون اليهودي، كمكون تاريخي متأصل داخل المجتمع المغربي الواحي، أشار إليه الدكتور إحدى، الذي نشر مجموعة من الدراسات والمقالات، وشارك في ملتقيات وندوات حول هذا الجانب. وأشار إلى أسماء مجموعة من العائلات اليهودية، أمازيغية كانت أو غير ذلك، منتقداً في الوقت ذاته من يصف المكون اليهودي بـ”الجالية”، لأن الأمر يتعلق بمكون أصيل من مكونات المجتمع المغربي.
الأدوار التاريخية للواحات المغربية في الامتداد المغربي نحو إفريقيا جنوب الصحراء، عمل الدكتور إحدى على إثارتها من خلال أدوار تجارة القوافل والطرق التجارية الرابطة بين مختلف المراكز الصحراوية في اتجاه تمبوكتو وتغازى، التي لا يمكن ذكرها دون ذكر واحة توات، التي مازالت الظهائر السلطانية الصادرة عن سلاطين الدولة المغربية شاهدة على مغربيتها.
واحة توات، التي اعتبرت مصدر التزود الرئيسي للقوافل الراغبة في الوصول إلى تغازى وما بعدها، أشار إليها الدكتور إحدى، مؤكداً ارتباط الصحراء الشرقية بالمغرب، انطلاقاً من الحدود التاريخية بين المغرب والعثمانيين، الممتدة من السعيدية إلى ثنية الساسي. وهو الموضوع الذي من الأكيد أن يثير مسألة الاستعمار الفرنسي للولاية العثمانية المجاورة لصحرائنا الشرقية، وكذا مقاومة القبائل المغربية لهذا الاستعمار، خصوصاً بالمجال الواحي، حيث تم تقديم أيت خباش وباقي المقاومين كنماذج لذلك.
الموارد المائية بالمجال الواحي كأداة للاستقرار وكذا للتغيير لم تكن بعيدة عن موضوع اللقاء العلمي، حيث تمت الإشارة المطولة إلى زيز وغريس وكذا وادي كير، في ارتباط بسد قدوسة، الذي كان نقطة تحول إيجابي في حسن تدبير مياه كير من الضياع. كما لم يفت الأستاذ المحاضر التأكيد على ضرورة حفظ هذه الثروة من الاستغلال المفرط والاستنزاف غير العادل، باعتبار أن المتضرر الأول من ذلك هم أبناء المنطقة المعتمدون على زراعاتهم المعيشية، خصوصاً التمور، والتي لا يمكن أن تستمر مع استمرار أي مظهر من مظاهر الاستنزاف المائي للواحة.
الدكتور إحدى استعان في محاضرته القيمة بعرض صور واحية، انسجاماً مع تقديم محاور عرضه الذي امتد لأكثر من أربع ساعات، كانت فترة المناقشة والإجابة على تساؤلات ومداخلات الحضور ذروة سنامها ومسك ختامها، مكنت من مزيد من ضبط المفاهيم وتصحيح التمثلات العالقة حول تاريخ الواحات المغربية ومكوناتها المتعايشة.
طالب باحث في سلك الدكتوراه
التاريخ والتراث
جامعة سيدي محمد بن عبد الله سايس – فاس




